دراسة الجدوى هي وثيقة مهمة، وتتضمن معلومات وفرضيات وإستنتاجات بشأن الجدوى الاقتصادية والفنية للمشروع، ويستطيع المستثمرون والممولون وفقا لها اتخاذ قرارات بالاستثمار بالمشروع من عدمه، ومعرفة ربحية المشروع وتكلفة المشروع الإستثمارية وطرق التمويل وتقدير المخاطر المرتبطة بالمشروع وغيرها من التفاصيل المهمة ذات العلاقة. ولاختبار الجدوى الاقتصادية للمشروع، سيتم اعتماد معايير التقييم المالية المعمول بها في هذا الشأن مثل صافي القيمة الحالية ومعدل العائد الداخلي ومدة التغطية، وتحديد الكلفة الاستثمارية، وتقدير كشوف التدفقات النقدية للمشروع، وحساب مؤشرات الربحية، وتحليل المخاطر.
ماهي معايير التقييم المالية المعتمدة للمشروع؟
تستخدم الدراسة المالية عدد من الأدوات لقياس ربحية المشروع وتحليلها، مثل معدل العائد الداخلي (وهو ذلك العائد الذي يؤدي إلى تصفير صافي القيمة الحالية للمشروع)، وصافي القيمة الحالية للتدفقات النقدية (وهو حاصل طرح القيمة الحالية للمشروع من الكلفة الاستثمارية الابتدائية للمشروع)، ومدة التغطية (وهي عدد السنوات التي يحتاجها المشروع لتوليد صافي تدفقات نقدية تشغيلية تكفي لتغطي تكلفة المشروع الاستثمارية الابتدائية)، ومعدل العائد على الاستثمار (وهو متوسط الارباح السنوية مقسومة على تكلفة المشروع الاستثمارية)، وغيرها. وتعتمد دقة وأهمية تلك الأدوات على فرضيات التحليل المالي، فمثلا يتأثر معدل العائد الداخلي للمشروع على مثلاً نسب الملاءة الناجمة عن التمويل عبر القروض، وتكلفة رأس المال، وهامش المخاطرة، والكلفة الاستثمارية، وتوقعات التدفقات النقدية المستقبلية للمشروع، ومعدلات النمو بالتدفقات النقدية، وتوقعات المستثمرين بالمشروع. ولتجنب أي نتائج غير دقيقة ناجمة أساساً من التمويل عبر القروض، يفضل افتراض تمويل المشروع من رأس المال فقط، وكذلك اعتماد معدلات نمو مقبولة ومتماشية مع مؤشرات الأداء المعتمدة بالقطاع، وتقدير متحفظ لتكلفة رزس المال، وتقديرات مقبولة للتدفقات النقدية المستقبلية للمشروع، علاوة على تفضيل استخدام مؤشر صافي القيمة الحالية للمشروع على معدل العائد الداخلي. كما تلعب الفرضيات المتعلقة بالتدفقات النقدية ونموها ومعدلات الخصم المعتمدة دورا أساسيا بنتائج احتساب تلك المؤشرات المالية.
لا تخلو أي دراسة مالية من المخاطر
ترتبط المشاريع الاستثمارية بالمستقبل وظروف عدم التيقن، والتي لا يمكن لأي محلل مالي للمشروع التنبؤ بها على وجه الدقة دون تحليل المؤثرات والمخاطر وتقدير الموقف، ودائما ما تحمل تلك التقديرات هوامش انحرافات عن المتوسط أو ما يسمي بمعامل الخطأ أو المخاطرة أو هامش التذبذب. والجدير بالذكر فإن أي مشروع استثماري ينطوي على نوعين من المخاطر المهمة وهما المخاطر التشغيلية أو التجارية (وهي تلك المتعلقة بالتغيرات بالمبيعات وتأثيرها على الارباح التشغيلية) والمخاطر المالية (وهي تلك المتعلقة بالتغييرات بالارباح التشغيلية وتأثيرها على قدرة المشروع في سداد تكلفة الديون). وعليه يجب إجراء التحليل والتقييم المالي في ظل ظروف من المخاطر واعتماد فرضيات مدروسة ومقبولة للتنبؤ بالأداء المالي ومن ثم تحليله واستنباط نتائج التقييم الاستثماري، كما تستخدم الدراسة المالية أدوات لقياس وتحليل المخاطرة بالمشروع، مثل تحليل نقطة التعادل وحساسية المشروع.
تقدير التكلفة الاستثمارية
التكلفة الاستثمارية للمشروع هي عبارة عن حاصل جمع كل من صافي قيمة رأس المال العامل والاستثمارات وقيمة الأصول الثابتة ومصاريف ما قبل التشغيل. يمثل صافي قيمة رأس المال العامل كل من الأصول المتداولة مطروحا منه رصيد الخصوم المتداولة، وتمثل الأصول المتداولة كل من أرصدة المدينين والمخزون، وتشمل الخصوم المتداولة كل من أرصدة الدائنين وحقوق الموظفين الغير مسددة. بينما تتضمن كلفة الأصول الثابتة كل من تكلفة شراء وتركيب المكائن والمعدات، وكلفة البناء، والأثاث، والسيارات، وأي أصل ثابت أخر يفوق عمره التشغيلي عن العام. وتمثل الاستثمارات كل من الاستثمار بالاوراق المالية والسندات وغيرها قصيرة وطويلة الأمد. أما تكاليف ما قبل الإنتاج هي عبارة عن مصاريف تشغيلية قد تم تحويلها كأرصدة رأسمالية ويتم استهلاكها مستقبلا وتخص المرحلة الممتدة من قرار الاستثمار لحين تشغيل المصنع تجاريا.
تقدير وتحليل القوائم المالية
تشمل التقارير المالية للمؤسسة الصناعية كل من قائمة الدخل، والميزانية العمومية، وبيان التدفقات النقدية.

قائمة الدخل: توضح قائمة الدخل للمؤسسة صافي الدخل أو الخسائر خلال مدة محددة وعادة ما تكون عام تشغيلي واحد. كما تتضمن قائمة الدخل كل من المبيعات السنوية والإيرادات الأخرى، وتكلفة البضاعة المباعة، ومجمل الربح أو الخسارة، ونفقات التشغيل، والمصاريف المالية، والضرائب، وصافي الربح أو الخسارة. تقدر الدراسة المالية قائمة الدخل السنوية للمشروع وطوال سنوات عمر المشروع.
الميزانية العمومية: تتضمن كل من أرصدة الأصول والخصوم ورأس المال، فتشمل الأصول كل من صافي قيمة الأصول الثابتة، والأصول المتداولة. وتشمل الخصوم ورأس المال كل من الخصوم المتداولة، والقروض، وصافي حقوق الملكية. توفر الميزانية العمومية معلومات هامة عن المركز المالي للمؤسسة، مثل صافي رأس المال العامل، والكلفة الاستثمارية للمؤسسة، ومصادر التمويل، وصافي قيمة المشروع الدفترية في تاريخ محدد.
بيان التدفق النقدي: يوضح حركة الأموال النقدية الداخلة، والخارجة، والرصيد النقدي الصافي للمشروع خلال مدة محدده، مثلا سنة تشغيلية واحدة. ويمكن حساب التدفقات النقدي على أساس تقدير التغييرات بالمركز المالي للمؤسسة لأخر مثلا سنتين تشغيليتين، وتشمل التقارير المالية كل من قائمة الدخل والميزانية العمومية. وتتألف التدفقات النقدية من التشغيل وهي تمثل التغييرات في قائمة الدخل النقدي (بدون مصاريف التمويل على القروض) وصافي رأس المال العامل، ومن التدفقات النقدية من الاستثمار والتي تمثل التغييرات في قيمة الأصول الثابتة والاستثمارات، ومن التدفقات النقدية من التمويل والتي تمثل حركة الاقتراض والسداد، ومن حقوق الملكية والتي تمثل التغييرات في أرصدة حقوق الملكية مثل الاكتتاب بأسهم رأس مال المشروع وتوزيعات الارباح.
التنبؤات المالية: لتحليل صافي القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية للمشروع ومعدل العائد الداخلي ومدة الاسترداد، يلزم تقدير قائمة الدخل والميزانية العمومية والتدفقات النقدية سنويا وطوال عمر المشروع، كما يمكن تقدير صافي قيمة المشروع الحالية عبر خصم التدفقات النقدية السنوية المستقبلية للمشروع وطرحها من الكلف الاستثمارية.
تقييم جدوى الاستثمار
لتقييم جدوى الاستثمار، يتم حساب صافي القيمة الحالية للمشروع ومعدل العائد الداخلي ومدة التغطية وذلك وفقا للتالي:
تقدير صافي القيمة الحالية: إن المعيار الرئيسي لتقييم أي استثمار هو تقدير صافي القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية للمشروع طوال دورة حياة المؤسسة، ويتم استخدام هذا النهج لقياس صافي الربح النقدي للمشروع. لحساب ذلك، يسعى المستثمر أو الباحث إلى تقدير التدفقات النقدية التشغيلية السنوية للمشروع وطوال عمر المشروع، ثم حساب القيمة الحالية لتلك التدفقات السنوية المستقبلية، وذلك من خلال خصمها باستخدام معدل خصم يعكس هامش المخاطرة والعائد المتوقع للمستثمرين، وليتم وفقا لذلك حساب القيمة الحالية للمشروع. بعدها، يقوم المستثمر بمقارنة القيمة الحالية للمشروع مع الكلفة الاستثمارية الإبتدائية، ويكون المشروع مربحا وقد يوصي بتبنيه إذا ما حقق المشروع فائضًا ماليا في القيمة الحالية للتدفقات النقدية عن الكلفة الاستثمارية، أي أن المشروع يحقق صافي قيمة حالية إيجابية.
معدل العائد الداخلي: هو عبارة عن معدل الخصم الذي يجعل القيمة الحالية للتدفقات النقدية السنوية المستقبلية مساويا لكلفة الاستثمار الإبتدائية. وبعبارة أخرى، هو معدل الخصم (أو تكلفة رأس المال للمشروع) الذي يجعل صافي القيمة الحالية للتدفقات السنوية المستقبلية يساوي صفرا. يمكن تقدير معدل العائد الداخلي للاستثمار عبر تجريب عدد من معدلات الخصم للتدفقات النقدية السنوية المستقبلية وصولا لمعدل الخصم الذي يجعل القيمة الحالية للتدفقات المستقبلية للمشروع معادلا للكلفة الاستثمارية. كما تشير مدلولات معدل العائد الداخلي إلى نسبة العائد على الاستثمار للمشروع، ويكون هذا معدلاً مقبولاً إذا ما كان مطابقا لتوقعات المستثمرين، وأن يكفي هذا العائد لتغطية هامش المخاطرة المتوقع بالمشروع، وأن يزيد هذا العائد عن نسبة الفائدة المعمول بها بالبنوك على القروض القصيرة والمتوسطة المدي. كما يمكن اعتبار قرار الاستثمار مجديا في المشروع، إذا كان معدل العائد الداخلي لهذا الاستثمار يفوق سعر الفائدة السائد في البنوك والسوق للاستثمارات المثيلة بنفس هامش المخاطرة، وهو يعتبر أدنى عائد مالي مقبول للمستثمر لرأس المال المُستَثمر.
مدة الاسترداد أو التغطية: هي تمثل عدد السنوات المتوقعة لتغطية كامل نفقات المشروع الاستثمارية، محسوبةً من خلال صافي التدفقات النقدية التشغيلية السنوية المستقبلية. ويتم تقديرها وفقا لطرح القيمة الحالية للتدفقات السنوية التشغيلية للمشروع من الكلفة الاستثمارية الإبتدائية، وتمثل فترة الاسترداد السنة الأخيرة لتغطية كامل الكلفة الاستثمارية للمشروع. إن مدلولات فترة الاسترداد هي أن المشروع يصبح أكثر جاذبية للاستثمار كلما تقلصت مدة الاسترداد.
ملاحظة أخيرة
هذه المقالة مقتبسة من كتابي المعنون ” دليلك لإنشاء مصنع “. ولقراءة مقالاتنا ومنشوراتنا في مجال المؤسسات الصغيرة وريادة الأعمال، أدعوك للتسجيل في نشرتنا الإخبارية ، أو زيارة موقعنا الإلكتروني.

منذر الداود
خبير مؤسسات صغيرة ومتوسطة
GrowEnterprise
United Kingdom
